محمد جميل عزم حمد

أوضح تقرير صادر في تشرين اول عن مؤسسة RepRisk ان حجم عمليات الغسل الاخضر لدى البنوك والمؤسسات المالية قد ارتفع خلال الاثني عشر شهرا الماضيين حوالى 70%، كما اوضحت الاحصائيات الصادرة عن European Banking Authority (EBA) ان عمليات الغسل الاخضر قد تضاعفت اربع مرات منذ العام 2018 و6.5 مرات منذ العام 2012.

وقد يؤثر الارتفاع في مستوى الغسل الاخضر سلباً على كامل عمليات التمويل المستدام Sustainable Finance ، حيث انها تؤدي الى عدم القدرة على تحقيق الاهداف الموضوعة لمواجهة المخاطر البيئية والجوانب الاجتماعية، وكذلك انخفاض الثقة من كل الجهات ذات العلاقة سواء المودعين أو المستثمرين ومستوى التمويل المقدم من قبلهم لتحقيق هذه الأهداف، اضافة الى انها تقلل الثقة من قبل العملاء بشكل عام ومنهم الراغبين بالحصول على القروض الخضراء والمنتجات الخضراء، حتى لو كانت اسعارها اعلى، حيث انه على سبيل المثال 68% من المشاركين في استطلاع امريكي حديث على استعداد لدفع اموال أكثر مقابل منتجات مستدامة.

يساهم عدم وجود تعريف قانوني واضح للغسل الاخضر لدى العديد من البلدان في صعوبة التعامل معه ومجابهته، وقد يكون ايضاً السبب عدم وجود ادلة عمل ومنهجيات تفصيلية وموثقة للتمويل المستدام والتي توضح التفاصيل المختلفة ومنها تعريف ومكونات الغسل الاخضر. وفي حين يتم حاليا الكشف عن العديد من حالات الغسل الاخضر من خلال وسائل الاعلام او مؤسسات المجتمع المدني غير الحكومية NGOs بشكل أكبر من العملاء والجهات الرقابية وخاصة في منطقة الاتحاد الاوروبي، الا انه من المتوقع مع التحسينات التشريعية المتوقع حصولها في هذا المجال ان تتطور عملية اكتشافها وبشكل متسارع. علماً انه اليوم تحكم هذه النوع من المخاطر وجود تشريعات مختلفة مثل قوانين حماية المستهلكين، والموافقات الادارية المختلفة على الحملات الاعلانية والمنتجات، وغيرها من تعليمات ومعايير الافصاح، وتعليمات وممارسات الأسواق المالية، الا انه قد يكون من الضروري وجود تشريعات محددة بهذا الخصوص.

ويتحقق الغسل الأخضر حين تدعي الشركات مسؤوليتها تجاه البيئة بشكل غير صحيح وذلك لجذب أعمال أكثر او الخضوع لمستويات تدقيق أقل، ومؤخراً اقترحت European Supervisory Authorities (ESAs) تعريفاً على النحو التالي: ” قيام الشركات بعمل تصريحات، واجراءات واساليب ورسائل تواصل مختلفة لا تعبر بشكل عادل عن اطار الاستدامة الحقيقي للمؤسسة، او منتجاتها وخدماتها المالية. هذه الممارسات تعتبر مضللة للمستهلكين، المستثمرين، او الشركاء بالسوق.

ويظهر الغسل الاخضر على مستوى البنك كاملا أكثر من مستوى المنتج، مثال ذلك قيام البنك بالإعلان عن ممارسات ومبادرات للاستدامة في حين يقوم البنك متقصداً بالتغاضي عن معلومات تتعلق بتمويل نشاطات واعمال غير مستدامة ودون ذكر اي اثر سيء لها. او ان تقوم بالإعلان عن الخطط بمراعاة تخفيض انبعاثات الكربون في استثمارات البنك وقروضه، ولكن خطط التحول Transition plans غير معتمده او مثبتة. في حين على مستوى المنتج تظهر اكثر في المنتجات الاستثمارية اكثر من منتجات التجزئة والشركات، بحيث تعلن مثلاً عن تسويق صندوق استثماري لديه اهداف خضراء في حين يتم الاستثمار في شركات لديها اجراءات سلبية على البيئة مثلاُ.

للغسل الاخضر أثر على المخاطر التي تتعرض لها البنوك، والتأثير الأكبر على مخاطر السمعة من حيث الحملات الاعلامية على البنك والشكاوي المنشورة من العملاء واي قضايا علنية بالمحاكم ، المخاطر التشغيلية من حيث بيع المنتجات باعتبارها خضراء الا انها لا تتواءم مع معايير الاستدامة وكذلك عدم التواؤم بين السياسات المعتمدة للبيئة والنشاطات الفعلية للبنك، مخاطر الأعمال والمخاطر الاستراتيجية وما يؤدي الى التأثير على نموذج الاعمال في البنك وخسارة الإيرادات لخطوط عمل معينة نظراُ لانخفاض ثقة العملاء ,وكذلك قيمة الغرامات او التعويضات المطلوبة من البنك، مخاطر الحصول على التمويل، وبشكل أقل مخاطر الائتمان وتحديداً في حال انخفضت الملاءة الائتمانية للعملاء نظرا لتأثر سمعتهم بأنهم يطبقوا الغسل الاخضر، مخاطر السوق بسبب انخفاض الأسعار ، ومخاطر السيولة وقدرتهم على الدخول الى الأسواق نظراُ لتأثر سمعتهم. وقد أكد مستوى التأثير المذكور نتائج استبيان قام به (EBA).

كما يمكن ان يؤدي الغسل الأخضر الى حصول مخاطر على مستوى الاستقرار المالي Financial stability، حيث ان تراجع الثقة في احد المؤسسات او الادوات المالية الخضراء قد يتبعه حصول تغيرات كبيره في اسعارها وسيولتها وانتشارها بشكل كبير لمؤسسات وادوات مالية خضراء اخرى، ومن ثم تؤثر على الاسواق المالية كاملةً من حيث تغيرات الاسعار وسيولة الادوات المالية بشكل عام ضمن ما قد يطلق عليه Minsky Moment . كما يمكن ان يؤثر الغسل الاخضر من قبل العملاء ذاتهم الحد من قيام البنك بعمل تقييم دقيق لمخاطرهم، وبالتالي القيام بمنح تمويلات على نطاق واسع لعدد كبير من المؤسسات مع التقليل بشكل خاطئ من اثر مخاطر التحول Transition Risk لديهم وبالتالي التأثير على المتانة والمرونة المالية بشكل عام(Financial resilience). وفي حين قد يكون التأثير على المدى القصير على انخفاض الاموال المخصصة من المستثمرين للتوظيفات الخضراء، الا انه على المدى الطويل تنخفض الثقة بكل التوجهات نحو الاستدامة والبيانات والإفصاحات الخاصة بها.

من اجل مواجهة ذلك ولتخفيض مخاطر الغسل الأخضر وفقاً لدراسات صادرة عن بيوت خبرةٍ دولية، فأنه على البنوك التركيز على عدة عوامل اهمها تقوية الحوكمة المؤسسية بهذا الخصوص وقيام ادارات البنك وضمن مبدأ خطوط الدفاع الثلاثة بالعمل على مكافحة الغسل الاخضر كل في موقعه سواء في ادارات الاعمال، او ادارات الرقابة او حتى التدقيق الداخلي.

كما من المهم وضع الخطط اللازمة لتنسيق وتوحيد الجهود لدى البنك كاملاُ، وكذلك تطبيق سياسات الاستدامة الموضحة للأدوار المختلفة والمسؤولية المحددة، ولا بد من وجود انخراط واضح من مجلس ادارة البنك وادارته التنفيذية بهذا الخصوص. ومن المهم التركيز على تقديم التدريب والوعي اللازمين لكافة العاملين في البنك وعلى كافة المستويات وبحيث تصبح جزءاً من ثقافة المخاطر لدى جميع العاملين في البنك، ولابد من وجود خطط لإدارة الازمة وتوضيح من سيقوم بماذا في حال حصولها، كما يفضل ان يكون هناك ميثاق معلن ضد الغسل الاخضر وبحيث يكون رسالة واضحة للجميع عن ارادة البنك وتوجهاته برفض هذا الامر سواء داخل البنك بإداراته المختلفة، أو خارجه من عملاء او مستثمرين او حتى الجهات الرقابية ومؤسسات التصنيف الدولية. ولا يوجد ما يمنع من الاستفادة من الخدمات المختلفة لبيوت الخبرة المختلفة للتأكيد ورفع مستوى الثقة بالبيانات المعلنة للاستدامة وايجاد الادلة والتوثيق اللازم لها. وبالمحصلة على البنوك ان تقوم بكل الجهود الممكنة لمنع حصول الغسل الاخضر وتخفيض أثره على الوصول الى تطبيق الاستدامة في العمل المصرفي مستقبلاُ.

محمد جميل عزم حمد

عضو منتدى خبراء ادارة المخاطر

الغسل الأخضر Greenwashing لدى البنوك: تعريفه ومخاطره ووسائل مكافحته – جريدة الغد