مقدمة:

بات عدد مستخدمي فيسبوك 2.4 مليار مستخدم، وكلهم مستعدون لتقديم حياتهم ومعلوماتهم وبياناتهم الشخصية لـ Facebook يوميا.

الخطوة الأخيرة التي أقدمت عليها فيسبوك تمثلت في إطلاق العملة الرقمية ” Libra ” بالتعاون مع 27 شركة أخرى، بينها شركات عملاقة مثل PayPal, MasterCard, Visa, Uber .

هذه الخطوة أثارت انتقادات وشكوك من العاملين في المجال التكنولوجي، خصوصا مع تاريخ فيسبوك في تسريب البيانات الشخصية للمستخدمين لأطراف ثالثة، وفضائحها الكبيرة مثل فضيحة Cambridge analytica.

إن رؤية فيسبوك لعملية إطلاق العملة الرقمية Libra تعتمد على أن المستخدمين سيشترون هذه العملة بأموالهم الحقيقية ثم ينفقونها على السلع والخدمات في عالم الإنترنت.

وينبغي أن يكون إرسال ” Libra ” إلى الناس عبر تطبيقات فيسبوك، مثل، WhatsApp, Facebook Messenger,، أمرا سهلا.

هذه العملية ستكون صغيرة في البداية، لكنها ستصبح أكبر، بحيث ستصل إلى مرحلة سيكون من الصعب العيش من دون حساب Libra.

وعندما تصل إلى تلك المرحلة، وإلى جانب ما يتوافر من معلومات وبيانات قدمها المستخدمون لـ Facebook وتطبيقاتها، ستصبح الأمور أكثر خطورة، إذ سيضيف المستخدمون بياناتهم المالية هذه المرة إلى فيسبوك والتطبيقات التابعة لها، ولهذا السبب اعتبر المنتقدون للعملة الرقمية الجديدة من فيسبوك أنها أكبر أشكال التجسس وأكثرها خطورة.

من الناحية الاقتصادية، وتمهيدا لهذا المشروع العملاق، فقد تحالف فيسبوك مع 28 شريكا في إطار كيان مقره جنيف يدعى “رابطة ليبرا”، التي ستشرف على العملة الرقمية الجديدة المقرر إطلاقها في النصف الأول من 2020، وفقا لمواد تسويقية ومقابلات مع مسؤولين تنفيذيين.

محفظة “مصرف كالبيرا”

أنشأت فيسبوك أيضا وحدة (مصرفاً) تحت اسم “Calibra”، ستطرح محافظ رقمية لحفظ وحدات Libra وتحويلها وإنفاقها توضع لدى كل متعامل بهذه العملة، وهكذا سيكون مصرفا بمليارات الحسابات الشخصية. وسيجري ربط Calibra بمنصتي تراسل Facebook: Messenger وWhatsApp، اللتين تضمان أكثر من مليار مستخدم.

تضع الشركة آمالا عظيمة على Libra، لكن المخاوف المتعلقة بخصوصية المستهلك والحواجز التنظيمية قد تنطوي على عقبات كبيرة. ويأمل فيسبوك ألا يقتصر استخدام العملة على المعاملات بين المستهلكين والشركات القائمة في أنحاء العالم، بل أن تتيح أيضا للمستهلكين غير المشمولين بالخدمات المصرفية فرصة الاستفادة من الخدمات المالية.

وذكر المدير التنفيذي لـ Facebook، أن محفظة “Calibra” ستتوفر لتسهيل المعاملات النقدية أمام مليارات المستخدمين لإرسال عملات ” Libra ” بكل سهولة وأشار إلى توفر الخدمة عبر تطبيق “Calibra” بنظامي تشغيل أندرويد و”iOS”، مضيفا أن الخدمة ستتوفر من خلال تقنية ” block chain .

الخصوصية

يأتي هذا الإعلان تزامنا مع عدد من المخاوف، أولها: المتعلقة بخصوصيات المستخدمين، وهو صراع واجهته الشركة في الآونة الأخيرة من جهة، بالأخص مع تسريب معلومات مستخدمي فيسبوك، وفي هذا الإطار ستخضع Calibra للتشريعات ذاتها التي توفرها خدمات الدفع الأخرى، وبالتالي فإن أي معلومات تشاركها مع Calibra تحفظ منفصلة عن المعلومات التي يشاركها المستخدمون على فيسبوك”

الأمان

وفي هذا الإطار سيتم تعيين فريق من الخبراء المتخصصين في إدارة المخاطر لتجنب استخدام “Calibra” في عمليات التزوير، حيث إن نظام العمليات البنكية لـ Calibra سيحظى بحماية قوية للحفاظ على سرية البيانات، وسيستخدم نفس نظام الحماية الذي تستخدمه البنوك وبطاقات الائتمان، وسيعوض المستخدمين في حال حدوث سرقات.

وليست هذه المرة الأولى التي يحاول فيها فيسبوك الدخول إلى عالم العملات الرقمية، فقبل عقد من الزمان أسس منظومة “ائتمان فيسبوك” وهي عملة افتراضية مكنت المستخدمين من شراء أشياء باستخدام تطبيقات على وسائل التواصل الاجتماعي، وقد أنهى فيسبوك المشروع بعد سنتين من إطلاقه بسبب فشله في جذب المستخدمين.

وسيكون المحك الأكبر فيما إذا كانت العملة الجديدة ستحظى بثقة المستخدمين، ومن أجل ذلك بدأ فيسبوك بالتنسيق مع حكومات وبنوك مركزية ومشرعين بعضهم في الولايات المتحدة وبريطانيا.

تؤكد Facebook على أمان Libra، المبني على نوع من تكنولوجيا block chain ، بالإضافة إلى (Calibra) كشركة تابعة، والتي يجب أن تضمن تنظيمها، وأن تبقى البيانات المالية منفصلة عن فيسبوك.

باستثناء “الحالات المحدودة، فإن (Calibra) لن تشارك معلومات الحساب أو البيانات المالية مع فيسبوك أو أي جهة خارجية، دون موافقة العميل، وتشتمل الأمثلة على الحالات المحدودة التي يُمكن فيها مشاركة البيانات، مثل: الاشتباه بنشاط إجرامي؛ أو احتيالي.

بناء عملة Libra على تقنية Blockchain مثلها مثل باقي العملات المشفرة يضمن لك الأمان وعدم التلاعب بها، وذلك لأن تقنية Blockchain تعتمد على نسخ البيانات وتوزيعها على جميع المستخدمين Peer-to-peer. فإذا قرر أحد المخترقين التلاعب في البيانات عند أحد المستخدمين سيتم مقارنة التعديل الجديد بالمسجل عند باقي المستخدمين، وسيتم رفض هذا التعديل لعدم مطابقته لما هو مسجل لديهم بالفعل.

غسل الأموال

من المحتمل أن تستخدم هذه العملة في عمليات غسل الأموال، لكن القائمين على مشروع ” Libra” صرحوا بأنه ستطبق سياسة “اعرف عميلك” التي تتبع مصادر الأموال من أجل قطع التمويل عن المجرمين والإرهابيين، ناهيك عن أنه ينبغي طمأنة الهيئات التنظيمية بالعالم المتقدم.

وتعتزم ” Libra” معالجة المعاملات على شبكة Blockchain الرئيسية كي تضمن الخصوصية، كما يمكن للمستخدمين إنشاء عناوين لضمان إخفاء هويتهم، وهذا يتعارض مع قوانين سياسة “اعرف عميلك”. وتنص الورقة البيضاء لعملة ” Libra” على ما يلي “نحن نعتقد أن الناس لديهم الحق في السيطرة على ثمار نشاطاتهم التي يقومون بها بصفة قانونية”. ويدلنا ذلك على الهدف الحقيقي لهذا المشروع، وهو أن عملة “Libra” ليست مخصصة للمستهلكين وإنما هي محاولة من فيسبوك لمواجهة إجراءات التنظيم.

الاستقرار

رغم الثورة التي أحدثتها العملات الرقمية المعتمدة على تقنية Blockchain مثل Bitcoin إلا أنها أبعد ما تكون عن أن توصف بالاستقرار، فهي تتأثر بسرعة وبشدة بتقلبات السوق فتجدها تارة ذات قيمة مرتفعة للغاية وتارة أخرى تجدها هبطت هبوطًا حادًا، والسبب في هذا أنها لا تعتمد على أصل ثابت لتحديد قيمتها.

العملات النقدية الحقيقية التي تتعامل بها الدول تعتمد على أصل ثابت في الغالب وهو الذهب. ولكي تقي عملة Libra نفسها من التقلبات الشديدة التي تعاني منها مثيلاتها من العملات الرقمية فلقد اعتمد مؤسسوها على أصول ثابتة تحافظ على قيمتها قدر الإمكان.

فجمعية ليبرا Libra Association المتمثلة حاليًا في فيسبوك و27 منظمة وشركة أخرى من حول العالم قد قاموا بشراء سندات وأصول قصيرة الأجل من أكثر البنوك العالمية موثوقية من دول مختلفة، بحيث تستند قيمة العملة عليها. ولو حدث أي تغيرات في قيمة تلك الأصول فلن تكون تغيرات حادة، وقد حرصوا على تنوعها عالميًا حتى لا تعتمد على قوة اقتصاد دولة واحدة.

أما الفوائد والأرباح الناتجة عن تلك الأصول والسندات فسيتم استثمار جزء منها للمحافظة على قيمة عملة Libra، والجزء الآخر سيعتبر أرباحًا لأعضاء جمعية Libra؛ أي أن المستخدم العادي ليس له أي علاقة بتلك الأرباح والفوائد.

الانتشار

لكي تنجح أي عملة لابد أن يكون لها مجال من الانتشار وإلا سيكون لا قيمة فعلية لها، وهذا هو ما تصبو إليه عملة Libra. فبالإضافة إلى أنها مؤسسة من قبل أكبر شبكة اجتماعية على كوكب الأرض مما يجعل فرص انتشارها أكبر من أي عملة أخرى، إلا أنها أيضًا تصبو لاعتمادها في المتاجر الفعلية والإلكترونية وحتى البنوك والمصارف.

وحتى من قبل الإطلاق الرسمي لها في النصف الأول من عام 2020 فإننا نرى أن هناك أسماء عالمية كبيرة قد استعدت لتبنيها ودخول جمعيتها Libra Association، فأسماء مثل: Lyft Spotify, ,PayPal, MasterCard, Visa, Uberوغيرهم يعتبرون من أقوى الجهات التي ستضع جذورًا راسخة لانتشار استخدام العملة عالميًا.

التوفر عالميًا

ربما يركز الهدف الأسمى لعملة ليبرا Libra على البلدان النامية التي لدى سكانها صعوبات في عمل حسابات بنكية لمصاريفها الباهظة، وللرسوم المرتفعة على التحويلات المالية والتي يكونون في أشد الحاجة إلى كل سنت منها، ولكن هذا لا يمنع بالطبع أن توفر العملة سيكون عالميًا لأي شخص مهما كانت جنسيته أو موضعه في العالم، فهي العملة التي ستوحد الجميع وتحافظ على قيمة أموالهم بدون القلق من فوارق أسعار الصرف.

السرعة

تحويل الأموال سيكون أسرع وأسهل بكثير من أي وقت مضى، فلن يأخذ الأمر سوى بضع ثوانٍ معدودة قبل أن تتم المعاملة بنجاح أيًا كان المكان الذي سترسل إليه الاموال أو تنفقها فيه.

الاثر على البنوك المركزية في الدول النامية

▪ ربما تقيّد عملة Libra سلطة البنوك المركزية في الدول النامية، وذلك لأنَّها ستُدعم باحتياطي من العملات المستقرة، مثل الدولار الأمريكي واليورو والين، وبذلك يُزوِّد Facebook مواطني الدول النامية ببديلٍ لعملاتهم المحلية، عن طريق توفير إصدارات رقمية من العملات القوية داخل تلك الدول.

▪ إنَّ العملة السائلة والمستقرة ستجذب الكثيرين في الأسواق الناشئة، وهي عملةٌ شديدة الجاذبية لدرجة أنَّ توقُّف ما يكفي من الأشخاص عن التداول بعملاتهم المحلية سيُهدِّد قدرة حكومات الأسواق الناشئة على التحكُّم في مواردها المالية، والوسائل المحلية لتبادل العملات، وقدرتها على فرض الضوابط اللازمة على رأس المال في بعض الحالات. فمثلاً أن تُصبح Libra هي العملة الأكثر شعبيةً داخل نيجيريا، أو تركيا، أو سوريا فسيُصبح من الصعب آنذاك تصوُّر الآثار المباشرة والفورية لذلك على اقتصاداتهم المحلية (مثل المعاملات عبر الهواتف المحمولة مثلاً)، ولكن لا يمكن إنكار الآثار بعيدة المدى على حكوماتهم.

▪ ربما تُجبر هذه الدول على الامتثال لقرارات النظام الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي، بدلاً من الاعتماد على السياسات النقدية للبنوك المركزية في تلك البلدان. وقد تفقد الحكومات في الدول النامية قدرتها الضريبية، وربما شرعيتها أيضاً.

▪ تأثير العملة الرقمية الجديدة على الخدمات المالية التقليدية، حيث وعدت الشركة بإنشاء عالم يُستغنى فيه عن وساطة البنوك ومقدمي خدمات الدفع الأخرى، مما سيتيح إجراء تحويلات مالية دولية فورية وذات تكلفة منخفضة للغاية.

▪ في حال اعتمد مستخدمو موقع فيسبوك، البالغ عددهم 2.4 مليار شخص، هذه العملة فإنه سيكون لها تأثير هائل على دور البنوك المركزية.

▪ يمثّل هذا المشروع الجديد عبئا إضافيا، لأنه سيضيف عملة جديدة إلى العملات الموجودة، مما يجعل مهمة التحكم في التضخم في بعض البلدان مهمة صعبة، لا سيما في البلدان التي تسيطر عليها رؤوس الأموال.

هجوم الإدارة الأمريكية على Libra

ما زالت العملة الرقمية الجديدة تواجه المزيد من المعارضة حيث طلب الكونغرس الأميركي من شركة فيسبوك إيقاف خطط تطوير عملتها الرقمية بالإضافة إلى المحفظة الرقمية Calibra وذلك لعدة أسباب منها:

▪ إمكانية استغلالها لأغراض إجرامية حيث انه من الممكن ان تستغل هذه العملة في غسل الأموال وتمويل الإرهاب مما قد تشكل خطرا على الأمن الوطني الامريكي.

▪ عدم التحقيق بشكل كاف في المخاطر المحتملة التي تُشكلها على النظام المالي العالمي حيث إن المعلومات الضئيلة المقدمة عن هدف ودور والاستخدام المحتمل والأمن لعملة Libra ومحفظتها الإلكترونية تكشف عن مجال هائل للمخاطر ونقص الحماية التنظيمية الواضحة.

▪ عدم دراسة المخاطر المتعلقة بأمن الفضاء الإلكتروني Cyber Risk والأسواق المالية العالمية.

▪ منافسة العملة النقدية الأميركية والدولار الأميركي، مما يثير مخاوف جدية بشأن الخصوصية والتداول والأمن القومي والسياسة النقدية ليس فقط لمستخدمي فيسبوك فقط ، بل أيضًا للمستثمرين والمستهلكين والاقتصاد العالمي.